إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 30 ديسمبر 2011

ما حكم رواية (رحلة الموت أحداث وعبر) التي فيها تصوير للروح حين تصعد إلى السماء ؟


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وفقكم الله يا شيخ في طريق الخير ..

انتشرت رواية رحلة الموت أحداث وعبر ... في المنتديات وقد وصلتني بلوتوث نصي
وهي مسلسلة طويلة لا أستطيع كتابتها هنا ولكن سأذكر بعض من فقرات الجزئين الاول والثاني


رجل يتعرض لحادث وتوفي ولكنه يسرد كل مشاعره وما حدث له عند قبض روحه من الملائكة وحملها الى السماء واظلاعه على كثير من الأحداث في السماوات حتى رجوعها للقبر وما يحدث فيه وغالبية الاحداث من نصوص شرعية ولكنه صورها كأحداث حاصلة , ومن الفقرات التي ذكرها



اقتباس






وظهر لي في السواد رجل له لحية بيضاء وقال لي : يا بني هذه آخر لحظاتك وأنا جئتك ناصحاً قبل أن تلاقي ربك فأنا أعرفك رجلاً ذكياً قلت له ما الذي تريد ؟
قال : قل ليحيا الصليب فهو والله نجاتك وإن أنت آمنت به سأعيدك لأهلك وأولادك وأعيد لك روحك .. علمت أن هذا هو الشيطان قلت له : اخسأ عدو الله فقد عشتُ مسلماً وسأموت بإذن الله على ذلك ..

****
فسحب روحي وشعرت الآن كأني بين النوم والحقيقة وشعرت كأني أقوم من جسدي وأرتفع لأعلى
****
رأيت الملكين كأنهما يستلماني ويضعاني في ذلك الكفن بسرعة ويرتفعون بي للسماء
قطع كلامي ملائكة مروا سريعاً معهم روح عجيبة شممت من نسيمها رائحة مسك لم أشم مثلها
تعجبت وقلت للملائكة : من هذا ، لولا أني أعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء لقلت هذه روح نبي ؟
قالا : بل هذه روح شهيد مجاهد من فلسطين قتله قبل قليل اليهود وهو مدافعاً عن دينه وبلده ويقال له أبو العبد

****
قلت للملكين : من هؤلاء ؟ قالا : هؤلاء ملائكة يحرسون السماء ويرسلون الشهب على الشياطين .. قلت : إن خلقهم عظيم ..قالا : بل هناك من هو أعظم منا من الملائكة ..
قلت : من ؟
****
ثم ارتفعنا بسرعة كبيرة حتى وصلنا للسماء الثانية وهكذا حتى وصلنا إلى السماء السابعة فإذا هي أعظم سماء ورأيت مثل البحر العظيم فخفض الملائكة رؤوسهم وقالا : اللهم إنك أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام .. أنا شعرت برهبة عظيمة وأخفضت رأسي ودمعت عيني فقال : العزيز الجبار : اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ..
من شدة الرهبة والخوف والفرح والسرور لم أستطع الكلام بل قلت سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ..
نزل بي الملكين مباشرة ومررنا على الملائكة ونسلم على كل من مررنا به ..



طبعا الموضوع طويل جدا لا يسعني أن اذكر ما فيه كله التزاما بقوانين المنتدى ..

وفقكم الله يا شيخ اريد الحكم الشرعي لتداول هكذا مواضيع لن عند اعتراضي عليها عند زميلاتي لم يقتنعن بحكم أنها أحداث صيغت من خلال نصوص شرعية وهي للعظة والعبرة ؟
 
الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ووفّقَك الله لِكل خير .

الذي يصعَد من الإنسان هي روحه ، وصعود الملائكة بها وإعادتهم إياها عِلْم لا عِلْم لنا ولا خبرة لنا به ، إلاّ ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ، مِن العُروج بالروح إلى السماء ، وفَتْح أبواب السماء لِروح المؤمن ، وإعادتها إلى جسده بعد ذلك .
وليس في الأحاديث أن الإنسان يُصعد بروحه وجسده ، بل والمشاهَد أن جسد الإنسان باقٍ بين أهله قبل دَفنِه ، فلا يصح القول : (شعرت برهبة عظيمة وأخفضت رأسي ودمعت عيني) .

وحسب الإنسان أن يقتصر على ما في حديث البراء الطويل في صِفَة خروج روح المؤمن ، وروح الكافر .

وظَهَر فيما زُعِم أنه رحلة الموت ، تصوير الإنسان وكأنه قد ضَمِن الجنة ..
صحيح أن على الإنسان أن يُحسِن الظنّ بِربِّـه تعالى ، وفي المقابِل عليه ان يكون على وَجَل مِن أن تخونه الذنوب ، خاصة وقت الاحتضار ، فقد ذَكَر ابن القيم رحمه الله قصصا عن سوء خاتمة أناس كانوا يُغنّون ، أو يُرابُون ..

بَكَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَيْلَةً إِلَى الصَّبَاحِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيلَ لَهُ : كُلُّ هَذَا خَوْفًا مِنَ الذُّنُوبِ ؟ فَأَخَذَ تِبْنَةً مِنَ الأَرْضِ ، وَقَالَ : الذُّنُوبُ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا ، وَإِنَّمَا أَبْكِي مِنْ خَوْفِ سُوءِ الْخَاتِمَةِ .

قال ابن القيم : وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْفِقْهِ : أَنْ يَخَافَ الرَّجُلُ أَنْ تَخْذُلَهُ ذُنُوبُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَاتِمَةِ الْحُسْنَى .

وسبق :
فيلم ( رب ارجعون ) المنتشر في المنتديات
http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=2902


والله تعالى أعلم .



الشيخ / عبدالرحمن السحيم



 









هل كان النبي أمياً ؟ أم تعلم القراءة والكتابة في آخر حياته

         
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أمياً ؟ 
أم تعلم القراءة والكتابة في آخر حياته

الإخوة الكرام ـ حفظهم الله ـ أرجو أن تسمحوا لي بمشاركتكم القول في هذا الموضوع الذي طرحتموه ولكم مني جزيل الشكر :

    قال ابن منظور في لسان العرب :
    " وقـيل لسيدنا مـحمد رسول الله ، الأُمِّي لأَن أُمَّة العرب لـم تكن تَكْتُب ولا تَقْرَأُ الـمَكْتُوبَ ، وبَعَثَه الله رسولاً وهو لا يَكْتُب ولا يَقْرأُ من كِتاب ، وكانت هذه الـخَـلَّة إِحْدَى آياته الـمُعجِزة ، لأَنه تَلا علـيهم كِتابَ الله مَنْظُوماً ، تارة بعد أُخْرَى ، بالنَّظْم الذي أُنْزِل علـيه فلـم يُغَيِّره ولـم يُبَدِّل أَلفاظه ، وكان الـخطيبُ من العرب إِذا ارْتَـجَل خُطْبَةً ثم أَعادها زاد فـيها ونَقَص ، فحَفِظه الله ـ عز وجل ـ علـى نَبـيِّه كما أَنْزلَه ، وأَبانَهُ من سائر مَن بَعَثه إِلـيهم بهذه الآية التـي بايَنَ بَـينه وبـينهم بها ، ففـي ذلك أَنْزَل الله تعالـى : ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) [العنكبوت 48] الذين كفروا ، ولقَالوا :
    إِنه وَجَدَ هذه الأَقاصِيصَ مَكْتوبةً فَحَفِظَها من الكُتُب " .

    وقال الإمام الطبري في تفسيره (21/4 مع تصرف يسير) :
    " القول فـي تأويـل قوله تعالـى :
    ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) [العنكبوت 48] يقول تعالـى ذكره : وَما كُنْتَ يا مـحمد تَتْلُوا يعنـي تقرأ مِنْ قَبْلِهِ يعنـي من قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إلـيك مِنْ كِتَابٍ وَلا تَـخُطُّهُ بِـيَـمِينِكَ يقول : ولـم تكن تكتب بـيـمينك ، ولكنك كنت أمِّيًّا إذا لارْتابَ الـمُبْطِلُونَ ، يقول : ولو كنت من قبل أن يُوحَى إلـيك تقرأ الكتاب ، أو تـخطه بـيـمينك ، إذن لارتاب : يقول : إذن لشكّ بسبب ذلك فـي أمرك ، وما جئتهم به من عند ربك من هذا الكتاب الذي تتلوه علـيهم الـمبطلون القائلون إنه سجع وكهانة ، وإنه أساطير الأوّلـين .
    وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل .
    ذكر من قال ذلك :
    عن ابن عبـاس ، قوله : ( وَما كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، وَلا تَـخُطُّهُ بِـيَـمِينِكَ إذا لارْتابَ الـمُبْطِلُونَ ) ، قال : كان نبـيّ الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أمِّياً لا يقرأ شيئاً ولا يكتب .
    وعن قَتادة ، قوله : ( وَما كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، وَلا تَـخُطُّهُ بِـيَـمِينِكَ ) ، قال : كان نبـيّ الله لا يقرأ كتابـاً قبله ، ولا يخطه بـيـمينه ، قال : كان أُمِّياً ، والأميّ : الذي لا يكتب .
    و عن مـجاهد : ( وَما كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، وَلا تَـخُطُّهُ بِـيَـمِينِكَ ) قال : كان أهل الكتاب يجدون فـي كتبهم أن النبـيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ لا يخطّ بـيـمينه ، ولا يقرأ كتابـاً ، فنزلت هذه الآية .
    وبنـحو الذي قلنا أيضاً فـي قوله : ( إذا لارْتابَ الـمُبْطِل ) قالوا.
    ذكر من قال ذلك :
    عن قَتادة : ( إذا لارْتابَ الـمُبْطِلُونَ ) إذن لقالوا : إنـما هذا شيء تعلَّـمه مـحمد ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وكتبه .
    وعن مـجاهد، فـي قول الله : ( إذا لارْتابَ الـمُبْطِلُون ) قال : قريش . " .
    وقوله تعالى : (رَسُولٌ مِّنَ ?للَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ) أي يقرأ ما تتضمن الصحف من المكتوب ؛ ويدل عليه أنه كان يتلو عن ظهر قلبه ، لا عن كتاب ؛ لأنه كان أمّياً ، لا يكتب ولا يقرأ .
    وانظرتفسير الطبري (20/140) .

    وقد دلت على أميته ـ صلى الله عليه وسلم ـ النصوص المتوافرة ، وحقائق السيرة والتاريخ .
 
    فأما النصوص ، فقد قال تعالى في أهل الكتاب : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [الأعراف 157] .
    وقال تعالى : ( فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [الأعراف 158] .
    وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) [الجمعة 2 ] .

    والأمي في هذه الآيات له معنيان :
 
    الأول : من لا يقرأ ولا يكتب .
    والثاني : من ليس له كتاب ديني مثل التوراة والإنجيل .
    وهذا المعنى الثاني محتمل في هذه الآيات ، ولكن يرجح المعنى الأول قوله تعالى :
    ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) [العنكبوت 48]
    وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ « إنّا أُمَّةٌ أُمِّيةٌ لا نَكتُبُ ولا نَحسُبُ، الشهرُ هكذا وهكذا . يَعني مرَّةً تسعةً وعشرينَ ومرَّةً ثلاثين » متفق عليه من حديث ابنَ عمرَ ـ رضيَ اللّهُ عنهما ـ ، وهذا لفظ البخاري .
    فقد فسر أمية الأمة بنفي الكتابة والحساب عنها ، وهذا تعريف الأمي : وأنه هو الذي لا يكتب ولا يحسب ، أي لا يعرف الحساب .

    كل هذا متفق عليه في أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يقرأ ويكتب أو عنده شيء من العلوم قبل أن يوحى إليه .
   
والخلاف هل قرأ وكتب بعد ما أنزل عليه ؟

    
* ذكر بعض العلماء أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آخر حياته عرف الكتابة ، بدليل أنه محا اسمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وثيقة صلح الحديبية حين رفض علي ـ رضي الله عنه ـ أن يمحوها .
    ولا يستبعد من فعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يعرف صورة اسمه وصفته
( محمد رسول الله ) ويمحو الكلمة التي بعد الاسم ، أو يكون معنى (محاها) أنه أمر بمحوها.

    وممن ذهب إلى أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عرف الكتابة في أواخر حياته : أبو الوليد الباجي ـ رحمه الله ـ ، أحد أعلام المالكية المغاربة ، ولما قال ذلك ، طعن فيه ورمي بالزندقة ، وسب على المنابر، وقد دافع عن نفسه بالمناظرة ، والكتابة إلى علماء الأطراف .
    وجل ما اعتمد عليه أبو الوليد الباجي ـ رحمه الله ـ : حديث عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ ، قَالَ : " لَمَّا اعْتَمَرَ النبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ ، حَتّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ، فَلَما كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا : هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمدٌ رَسُولُ اللهِ ، قَالُوا : لاَ نُقِرُّ بِهَذَا ، لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا ، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ : أَنَا رَسُولُ اللهِ ، وَأَنَا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، ثُم قَالَ لِعَلِيٍّ : امْحُ رَسُولَ اللهِ ، قَالَ عَلِي : لاَ، وَاللهِ لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الْكِتَابَ ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ ، فَكَتَبَ : هَذَا مَا قَاضَى مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ .... " الحديث . أخرجه أحمد (18838) ، (18839) ، و الدَّارِمِي (2507) ، والبُخَارِي (1844) ، (2699) ، (4251) وغيرهم .

    قال الحافظ في الفتح (8/290) : " « فأخذ الكتاب ـ وليس يحسن أن يكتب ـ فكتب مكان رسول اللـه ـ صلى اللـه عليه وسلّم ـ : هذا ماقاضى عليه محمد بن عبداللـه » وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي ـ صلى اللـه عليه وسلّم ـ كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب ، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة ، وأن الذي قالـه يخالف القرآن ، حتى قال قائلـهم :
    برئت ممن شرى دنيا بآخرة *** وقال إن رسول اللـه قد كتبا
    فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة ، وقال للأمير : هذا لاينافي القرآن ، بل يؤخذ من مفهوم القرآن ؛ لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن ، فقال: ( وما كنت تتلو من قبل من كتاب ولاتخطه بيمينك) [العنكبوت 48] وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لامانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى .
    وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك ، منهم شيخه أبو ذر الـهروي ، وأبو الفتح النيسابوري ، وآخرون من علماء إفريقية وغيرها .
    واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة ، وعمر بن شبة من طريق مجاهد ، عن عون بن عبداللـه ، قال : « مامات رسول اللـه ـ صلى اللـه عليه وسلّم ـ حتى كتب وقرأ » ، قال مجاهد : فذكرته للشعبي فقال : صدق قد سمعت من يذكر ذلك . ومن طريق يونس بن ميسرة ، عن أبي كبشة السلولي ، عن سهل بن الحنظلية «أن النبي ـ صلى اللـه عليه وسلّم ـ أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة ، فقال عيينة : أتراني أذهب بصحيفة المتلمس ؟ فأخذ رسول اللـه ـ صلى اللـه عليه وسلّم ـ الصحيفة فنظر فيها ، فقال : قد كتب لك بما أمر لك » .
    قال يونس : فنرى أن رسول اللـه ـ صلى اللـه عليه وسلّم ـ كتب بعد ماأنزل عليه .
    قال عياض : وردت آثار تدل على معرفته حروف الخط وحسن تصويرها كقولـه لكاتبه : « ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك » ، وقولـه لمعاوية : « ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولاتعور الميم » ، وقولـه : « لاتمد بسم اللـه » . قال : وهذا وإن لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة ، فإنه أوتي علم كل شيء .
    وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث .
    وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن علياً هو الذي كتب ، فيحمل على أن النكتة في قولـه : « فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب » لبيان أن قولـه: « أرني إياها » أنه مااحتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لايحسن الكتابة ، وعلى أن قولـه بعد ذلك : « فكتب » فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب .
    وبهذا جزم ابن التين وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة ، وهو كثير كقولـه : كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى ، وعلى تقدير حملـه على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لايحسن الكتابة أن يصير عالماً بالكتابة ويخرج عن كونه أمياً، فإن كثيراً ممن لايحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصاً الأسماء ، ولايخرج بذلك عن كونه أمياً ككثير من الملوك .
    ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لايحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة ، ولايخرج بذلك عن كونه أمياً .
    وبهذا أجاب أبو جعفرالسمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه ابن الجوزي ، وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكناً ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أمياً لايكتب ، وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة .
    فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة .
    وقال المعاند : كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك ، قال السهيلي : والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضاً، والحق أن معنى قوله : « فكتب » أي أمر علياً أن يكتب انتهى .
    وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير ، والله أعلم " . أهـ

    والحديث يعلن صراحة أنه " ليس يحسن يكتب " وأما كتابته : هذا ما قضى عليه محمد بن عبد الله . بدلاً مما كان كتبه علي : محمد رسول الله . فلا يدل على أكثر من معرفته ببعض الكلمات مثل " محمد بن عبد الله " ولكن هذه المعرفة محدودة لا تنقله من أمي إلى كاتب .
    وقد رويت لنا حياته وسيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مفصلة ، فلم يعرف أنه كتب إلى ملك ، أو أمير ، أو ما هو دون ذلك ، أو كتب شيئاً من القرآن المنزل عليه .

    ومما استدلوا على كتابته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ما رواه ابن ماجة مرفوعاً : مررت ليلة أسري بي مكتوباً على الجنة: الصدقة بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر" . والقدرة على القراءة فرع الكتابة .
    والحديث مما تفرد به ابن ماجة عن أصحاب السنن ، وذكر البوصيري في زوائد ابن ماجة، أن في إسناده راوياً ضعيفاً ، وقال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في ضعيف الجامع الصغير : " ضعيف جداً "، فلا يعول عليه .

    وقد ألف الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي قاضي المحكمة الشرعية الأولى في قطر المتوفى سنة 1423 هـ ـ رحمه الله ـ كتاباً فند فيه دعاوى القائلين بمعرفته ـ صلى الله عليه وسلم ـ للكتابة ، سماه : " الرد الشافي الوافر على من نفى أمية سيد الأوائل والأواخر " .

    والخلاصة :
    أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يحسن القراءة والكتابة لا قبل الوحي ولا بعده .
  
  قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ : " ولعله لكثرة ما أملى على كتاب الوحى والكتب إلى الملوك وغيرهم عرف الخط وفهمه فكتب الكلمة والكلمتين كما كتب اسمه الشريف يوم الحديبية محمد بن عبد الله ، وليست كتابته لهذا القدر مخرجة له عن الأمية ككثير من الملوك أميون ويكتبون العلامة .. " . أهـ
    ويظهر ـ والله أعلم ـ أن الأمية ليست محصورة في عدم القراءة والكتابة ، بل يشمل هذا الوصف من ليس لديه كتاب يهتدي به ؛ ولذلك سمى الله تعليم الكتاب علماً ، ومنةً من الله على هذا الأمة مع بعث هذا الرسول الأمي من أنفسهم ـ كما قال تعالى ـ : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) [الجمعة 2] .
    فارتفعت الأمية العظمى عن هذه الأمة وهي الضلالة والجهل بهذا الرسول وهذا الكتاب العظيم .
 
    قال الشيخ عبد العزيز بن باز : " الأصل في هذه الأمة أنهم أمية ، أي عدم العلم ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمي لأنه ما كان عنده علم قبل أن يوحى إليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما كان يقرأ ولا يكتب ؛ كما قال الله ـ عز وجل ـ ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) [ 48 سورة العنكبوت] فما كان قارئاً ، وما كان شاعراً ، وما كان يخط حتى علمه الله ، وأنزل عليه هذا الكتابالعظيم ، فالأمي الذي نسب لأمه ، يعني بقي على الجهل ليس عنده علوم ، وليس عنده كتابة ، فإذا تعلم العلم لم يكن أمياً ، وإذا كان يكتب العلم وينقل المسائل العلمية ، ويحسن الكتابة لا يكون أمياً ، إنما الأمي الذي لا يحسن القراءة ولا يحسن الكتابةحتى يستفيد من علمه الذي علمه ، أو بما يكتبه عن العلماء ، فكان النبي ـ صلى اللهعليه وسلم ـ مثلما قال الله : ( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [سورة الضحى 7] جاهلاً بالعلوم التي جاء بها الوحي ، لم يكن عنده علم بما شرع الله له في كتابه العظيم ، ولم يكن عنده علم من علوم الأولين والمرسلين ، ولم يكن يكتب ويخط حتى جاءه هذا الخيرالعظيم والوحي العظيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ .. " . أهـ
    والله تعالى أعلم .

ضيدان بن عبد الرحمن اليامي 
منتدى أهل الحديث
للمزيد عن الموضوع مراجعة الرابط التالي